هل الفلسفة غير متوافقة مع الاتصال؟
دراسة التأمل والفحص العقلي للكائنات، كما فهمها ابن رشد¹. لقد اجتازت التساؤلات الفلسفية العصور والقارات عبر التاريخ، وأصبحت اليوم دراسة أساسية للإنسانية، مثلها مثل الاتصال، وهو دراسة تبادل المعلومات بواسطة اللغة أو/و الرموز بأشكال مختلفة (تنظيمية، شخصية)²، لكن ما العلاقة الممكنة بين هذين الحقلين الدراسيين؟ هل لا علاقة لهما ببعض؟ هل لا يوجد أي رابط؟ السؤال الآن هو: هل الفلسفة غير متوافقة مع الاتصال؟
— الاتصال مفهوم مهم في تاريخ الفلسفة.
أرسطو ربما وضع أول نموذج للاتصال الشفهي. وقد بنى هذا النموذج حول ثلاثة عناصر: الإيثوس (أسلوب المتكلم)، اللوغوس (المنطق، البرهنة) والباثوس (حساسية الجمهور)³.
بفضل أفلاطون، عرفنا أعمال سقراط، مثل "دفاع سقراط"، و"خارميدس"، و"كريتون". لم يترك سقراط أي كتابات عن فكره، لذا كان الاتصال عبر أفلاطون حاسمًا لإعلامنا بوجود الفكر السقراطي.
ابن رشد ترجم نصوص أرسطو إلى العربية من اليونانية عبر السريانية. ومكّنته هذه الشروح من تعريف أوروبا المسيحية في العصور الوسطى بأعمال أرسطو⁴.
فلسفة اللغة هي فرع من الفلسفة يأخذ في اعتباره بُعد الاتصال ضمن نموذجه الفلسفي.
— خبراء الاتصال هم أيضًا فلاسفة.
هابرماس، المعروف بنظرية الفعل التواصلي، هو فيلسوف من خلال مسيرته في مدرسة فرانكفورت، ومختص في الاتصال من خلال نظرياته.
جون ديوي هو فيلسوف عرّف الاتصال على أنه "استهلاكي وأداتي" لأنه يمكنه أن يؤسس لعلاقات الهيمنة، والنظام، والتعاون.
ماكلوهان، صاحب المقولة "الوسيلة هي الرسالة"، ساعدنا على فهم أهمية وسائل الاتصال، التي لا تُمثّل مجرد وسطاء بين المرسل والمتلقي، بل إنها لا تقل أهمية عن الرسالة نفسها. ماكلوهان أيضًا فيلسوف، وربما هذا ما سمح له بالتفكير بهذا العمق.
– ما دور الفلسفة في عالم الاتصال؟
قد تلعب الفلسفة دورًا مهمًا في عالم الاتصال، خصوصًا في شكله التنظيمي:
-
يمكن للفلسفة أن تلعب دورًا حاسمًا في إدارة الصورة:
-
من خلال تعريف هوية الشركة بناءً على أفكار فلسفية حول الهوية.
-
تأسيس قيم المنظمة الاتصالية على الفلسفة (كالشفافية التي تمنح الوصول إلى الحقيقة، وقد تكون القيمة الأساسية للشركة، مدعومة بالفلسفة).
-
الفلسفة مرتبطة إلى حد بعيد باللوبي السياسي:
التأثير على القرارات السياسية عبر حجج فلسفية (مثل برنار هنري ليفي، الذي يعد أيضًا فاعلًا في عالم اللوبي).
الإيديولوجيات السياسية قائمة على أفكار فلسفية (كالليبرالية والاشتراكية)، وبمعرفة معمقة، يمكن للفيلسوف المتخصص في الاتصال، أو المتواصل ذي المنهج الفلسفي، أن يستكشف حدود هذه الأفكار لإنتاج حجج غير قابلة للدحض وخالية من التحيز التأكيدي.-
الفلسفة عنصر أساسي في وكالات الاتصال:
-
في جزء "الدليل" من Copy Strategy، يمكن لـ "فيلسوف الوكالة" أن يقدم أقوى الحجج الممكنة.
-
في وكالة مختصة في التأثير أو العلاقات العامة، يمكن للفيلسوف بفضل قدرته على التعمق، أن يقدم حلولًا لاستراتيجيات التأثير (استنادًا إلى كتاب "الأمير" لماكيافيل)، وأن يلعب دورًا محوريًا في العلاقات العامة من خلال تحديد، والدفاع، وإدارة صورة الجهة بدقة وعمق.
– لكي نتفلسف، يجب أن نتواصل.
"لا يمكن ألا نتواصل"⁵، فإما أن نتواصل، أو لا نتواصل، وفي هذه الحالة، فإن المعلومة الوحيدة المنقولة هي أننا لا نتواصل.
من بين أشكال الاتصال، هناك "الاتصال الذاتي"، وهو أن نتواصل مع أنفسنا ومن أجل أنفسنا. لكن للتفكير، لا بد من الاتصال الذاتي، لأن الفكر هو قبل كل شيء ذاتي، لذا فهو جزء من الذات، ويجب أن أكون على علم بما أفكر فيه لأعرف ما أفكر فيه (هذا بديهي، تخيل أنك لا تعرف ما تفكر فيه؟).
الفكر هو إظهار للأفكار، ولكن لا يمكن التفلسف دون التفكير، لأن التفكير العقلاني يتطلب قبل كل شيء التأمل العقلاني في الأمور.
الفحص العقلي يعني تحديد اتساق الشيء المدروس عبر العقل، والعقل هو القدرة على ربط الأشياء ببعضها لمعرفة حقيقتها (إذا قيل إن كل الرجال ملتحون، لكن هناك رجال غير ملتحين، فالعقل يمكنني من تحديد أن العلاقة بين المقدمتين خاطئة، ومصدر الخطأ أننا انطلقنا من فرضية أن كل الرجال ملتحين، بينما الواقع يخالف ذلك).
يمكن أن نفكر دون أن نعقلن (ليس من الضروري استخدام العقل لتخيل فيل)، ولكن لا يمكننا أن نعقلن دون أن نفكر، لأنه كأننا نريد أن نربط بين أشياء غير موجودة (كأن نحدد العلاقة بين الرجل الملتحي وغير الملتحي دون وجود هذين المثالين).
وعليه، لا فلسفة دون تفكير، ولا تفكير دون اتصال ذاتي!
الخاتمة
الفلسفة ليست فقط متوافقة مع الاتصال، بل إن الاتصال لعب دورًا محوريًا في تاريخ الفلسفة (بدون كتابات أفلاطون، لما عرفنا سقراط)، كما أن خبراء الاتصال هم أيضًا فلاسفة (ماكلوهان)، ثم أن للفلسفة أثر مهم في عالم الاتصال (تعريف صورة المؤسسة وتقوية اللوبي)، وأخيرًا، لا يمكن للفلسفة أن توجد دون تفكير، ولا للتفكير أن يكون دون اتصال ذاتي. الفلسفة والاتصال مجالان شاسعان، وهناك الكثير من المسارات التي يمكن استكشافها، سواء كانت عامة مثل "هل يجب على المتواصل أن يكون متلاعبًا جيدًا؟" أو خاصة مثل "هل يمكن إهمال الأخلاقيات البيولوجية في وكالات الاتصال؟".
المراجع:
-
ابن رشد، الخطاب القاطع: "إن الفعل الفلسفي لا يتعدى أن يكون نظرًا عقليًا في الموجودات، وتأملاً فيها من حيث هي دليل على الصانع". (وقد تم تبسيط بعض المفاهيم دون إخلال بالمعنى)
-
مستوحى من تعريف الاتصال في Communicator، ص.8
-
المرجع نفسه
-
ابن رشد، إرنست رينان
-
بول فاتسلافك: "لا يمكن ألا نتواصل"
Commentaires
Enregistrer un commentaire