هل يمكننا حقًا التعبير عن كل ما نشعر به

 


هل شعرت يومًا بصعوبة في التعبير عن كل ما تشعر به لحب حياتك، وقلت له إن الكلمات لا تكفي للتعبير عمّا في قلبك؟ أو حتى شعرت من قبل بالعجز عندما يسألك الطبيب: «ما الذي يؤلمك؟» أثناء لمسه لموضع ما؟ فهل يمكن القول إن الكلمات عاجزة حقًا عن التعبير الكامل عن مشاعرنا؟


أ. تعريف المفاهيم

اللغة والشعور:

اللغة: هي القدرة على التعبير عن الأفكار والتواصل مع الآخرين بالاعتماد على علامات صوتية أو كتابية موضوعة بشكل اصطلاحي¹. والعلامات، في الحقيقة، هي ما يُمكنني من المعرفة أو التعرّف أو التخمين أو التوقّع لشيءٍ ما². ولماذا هي اصطلاحية؟ لأنه إذا كان بإمكاننا قول كلمة دون أخرى (فعندما نرى شجرة، نقول "شجرة" وليس "حجر")، فهذا لأن المجتمع اللغوي قد اتفق على ذلك (وربما لسبب أو مبرر أو غاية ما) بهدف التواصل والفهم المتبادل. ولولا هذا الاتفاق، لما استطعنا التفاهم، ولكان لكل شخص لغته الخاصة.

إذا قلنا "شجرة" صوتيًا أو كتابيًا، فذلك لأننا قررنا باتفاقٍ مشترك أن ما نراه هو "شجرة".

الشعور: هو الوعي الحاد بحالة ذاتية³.


ب. الجواب

ما الذي يجعل التعبير عن كل مشاعرنا أمرًا صعبًا؟

بعد أن تخبر الطبيب بما تشعر به بعد سؤاله لك لتحليلك، قد تشعر بعدم الرضا بعد قولك لما تشعر به، لأنك تدرك أنه لم يكن دقيقًا. وهذه الدقة الناقصة بين الكلمة المُعبَّر بها والشعور الحقيقي هي ما يجعلنا نعتقد أنه لا توجد كلمة تُعبِّر تمامًا عمّا نشعر به. لكن الأمر أعمق من ذلك؛ فليس الأمر أننا لا نملك كلمات للتعبير، فقد توجد كلمات تعبّر بدقة عن مشاعرنا، لكن هناك لانهاية من المشاعر والأشياء القابلة للتعبير عنها، مقابل عدد محدود من العبارات. بمعنى آخر، لم نُنشئ بعد كلمات تقابل تلك اللانهاية من الأحاسيس.

وقد تتساءل الآن: ما علاقة اللانهاية في الأشياء القابلة للتعبير بها في هذا السياق؟ الجواب هو: لو كانت لغتنا تحتوي على عدد كافٍ من الكلمات التي تقابل الأحاسيس الخاصة بكل فرد، سواء الموجودة الآن أو الكامنة (التي ستوجد لاحقًا)، لكانت لغتنا لا نهائية (على الأقل إلى أجل معيّن في رأيي)، لأنها ستكون نتاج مجموع الأحاسيس الخاصة بكل شخص حالي وكل شخص سيأتي. لكن السؤال هنا: ما نتائج حدوث ذلك؟


ماذا لو كان لدينا عدد لا نهائي من التعبيرات؟

لنفترض أننا وجدنا طريقة تسمح بوجود عدد لا نهائي من التعبيرات التي تقابل عددًا لا نهائيًا من الأحاسيس. حينها، سنتمكن من التعبير عن كل ما نشعر به! لكن لا تفرح كثيرًا بفكرة كتابة كل مشاعرك لحب حياتك، لأنك تدرك أن لذلك ثمنًا!

الثمن الذي يجب دفعه للتعبير عن كل ما نشعر به: هو التضحية بالجانب العام للغة لصالح الذاتية في الشعور. فاللغة تُوازن بين هدفين: أن تتيح التعبير عن أكبر قدر ممكن من الأشياء، وأن تكون مفهومة لأكبر عدد ممكن من الناس. فإذا أصبحت كل الأحاسيس الفردية قابلة للتعبير، فسيُختل هذا التوازن، لأن كل فرد لن يكون قادرًا على فهم المشاعر الكاملة إلا إذا كانت له فقط.

(فمثلًا: إذا شعر دافيد بـ "غنو بيوف" عند الفرح، وشخص آخر يشعر بـ "حرقة داخلية لذيذة"، فإن كل واحد منهما هو فقط من يستطيع فهم ما يعنيه، لأن الآخرين، حتى إن شعروا بالأمر ذاته، سيعبّرون عنه بشكل مختلف.)

والمقصود بـ "مفهوم" هنا هو: ما يمكن تصوره بسهولة. وأيسر ما يُفهم بين هذه التعبيرات اللانهائية هو أنها كلها ذاتية. وبالتالي، فإن كل ما يصدر عن هذه الذاتية سيؤدي إلى اختلال توازن اللغة. ومن أجل الحفاظ على هذا التوازن، فمن المثالي الاعتراف بأن كل ما يصدر عن الشعور هو ذاتي.

خلاصة القول: لو كانت لدينا كلمات لا نهائية تتيح التعبير الدقيق عن كل ما نشعر به، فلن تكون المشكلة هي عجز اللغة، بل المشكلة ستكون في عدم الفهم من الآخرين.

وهذه فكرة نجدها عند برغسون في كتابه الضحك، وعند فيتجنشتاين في مفهوم اللغة الخاصة.


ج. الخاتمة

نستطيع أن نعبّر عن كل ما نشعر به، لكن هذا سيؤدي إلى اضطراب توازن اللغة التي تحاول أن توازن بين كونها مفهومة لأكبر عدد ممكن من الناس، وأن تتيح التعبير عن أكبر عدد ممكن من الأشياء. فإذا اختل هذا التوازن (حين تكون القدرة على التعبير أثقل في الميزان من القدرة على الفهم)، فستنتج عن ذلك حالة من سوء الفهم. وهذا يفتح لنا المجال لمواضيع أخرى مثل: هل ينبغي أن نقول كل ما نفكر فيه؟ أو هل اللغة تُقيّد فكرنا؟


المصادر:

  1. لاروس (Larousse)

  2. لاروس (Larousse)

  3. المركز الوطني للموارد النصية واللغوية (CNRTL)

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

هل الفلسفة غير متوافقة مع الاتصال؟

هل التواصل هو التلاعب؟